البجعة السوداء (Black Swan) هي حدث لا يمكن التنبؤ به يتجاوز ما هو متوقع عادة من الموقف، وله عواقب وخيمة محتملة. تتسم أحداث البجعة السوداء بندرتها الشديدة، وتأثيرها الهائل، والإصرار الواسع بعد الإدراك المتأخر على أنها كانت واضحة ومتوقعة.
اكتسب مصطلح البجعة السوداء شعبيته على يد “نسيم نيكولاس طالب”، أستاذ التمويل والكاتب والمتداول السابق في وول ستريت. كتب طالب عن فكرة حدث البجعة السوداء في كتاب صدر عام 2007م قبل وقوع أحداث الأزمة المالية العالمية عام 2008م. يرى طالب أن الناس يجب أن يفترضوا دائمًا أن وقوع حدث بجعة سوداء احتمال قائم، أيًا كان هذا الحدث، وأن يضعوا خططهم مع وضع هذا في الاعتبار، نظرًا لكون أحداث البجعة السوداء يستحيل توقعها بسبب ندرتها الشديد، ونظرًا لعواقبها الكارثية.
استخدم لاحقًا الأزمة المالية لعام 2008م وفكرة أحداث البجعة السوداء ليقول إنه إذا سُمح لنظام معيب بالفشل، فإنه في الواقع يقويه في مواجهة كارثة أحداث البجعة السوداء المستقبلية. كما جادل بأنه على العكس من ذلك، فإن النظام المدعوم والمعزول عن المخاطر يصبح في النهاية أكثر عرضة للخسارة الكارثية في مواجهة الأحداث النادرة التي لا يمكن التنبؤ بها.
وصف طالب البجعة السوداء بأنها حدث: (1) يتجاوز التوقعات العادية، ونادر جدًا لدرجة أن مجرد احتمالية وقوعه لا يمكن التنبؤ بها، (2) ذو تأثير كارثي عند حدوثه، (3) يتم شرحه في الإدراك المتأخر كما لو كان في الواقع متوقع.
بالنسبة للأحداث النادرة للغاية، يجادل طالب بأن الأدوات القياسية للاحتمال والتنبؤ مثل التوزيع الطبيعي لا تنطبق عليها؛ لأنها تعتمد على عدد كبير من الجمهور وأحجام عينات سابقة التي لا تتوفر أبدًا في الأحداث النادرة. إن استقراء المستقبل باستخدام إحصائيات قائمة على ملاحظات من الأحداث السابقة غير مفيد في توقع أحداث البجعة السوداء، بل قد يجعلنا أكثر ضعفًا أمام تلك الأحداث.
إن عدم قدرتنا على توقع أحداث البجعة السوداء مهم؛ لأنه يمكن أن يكون له أيضًا عواقب وخيمة. من الواضح أن الأحداث غير المنطقية، بغض النظر عن مدى عدم إمكانية التنبؤ بها، أقل إثارة للاهتمام.
الجانب الرئيسي الأخير من البجعة السوداء هو أنه كحدث تاريخي مهم، يحرص المراقبون على شرحه بعد وقوعه والتخمين بكيفية توقعه. ومع ذلك، فإن مثل هذه التخمينات بأثر رجعي لا تساعد في الواقع على التنبؤ بالبجعات السوداء.
أمثلة تاريخية على أحداث البجعة السوداء
الانهيار المالي لسوق العقارات الأمريكي في الأزمة المالية العالمية عام 2008م يُعَد واحد من أحدث أحداث البجعة السوداء المعروفة حيث كان تأثير الانهيار المالي كارثيًا على المستوى العالمي، ولم يتنبأ به سوى قِلّة قليلة فقط.
في عام 2008م أيضًا، مرّت دولة زيمبابوي بأسوأ حالة تضخم مفرط في القرن الحادي والعشرين، حيث وصلت ذروة معدل التضخم لأكثر من 79.6 مليار في المئة. إن مستوى تضخم كهذا من شبه المستحيل توقعه، ويمكن أن يدمر دولة كاملة اقتصاديًا بسهولة.
أحد الأمثلة الأخرى على حدث بجعة سوداء هو فقاعة دوت كوم (dot-com bubble) عام 2001م، الذي كان مشابهًا للأزمة المالية العالمية عام 2008م. كانت أمريكا تحقق نموًا اقتصاديًا سريعًا، وزيادة كبيرة في الثروة الخاصة قبل أن ينهار الاقتصاد انهيارًا كارثيًا. ونظرًا لأن الاستخدام التجاري للإنترنت في تلك الفترة كان مازال في مهده، استثمرت العديد من صناديق الاستثمار في شركات تكنولوجيا ذات قيمة سوقية متضخمة، وليس عليها طلب سوقي (market traction) كافي. تلقت صناديق الاستثمار ضربة قوية عندما انهارت تلك الشركات، وتحمّل المستثمرون مخاطر هذا الانهيار. كانت الجبهة الرقمية جديدة حينها ومن شبه المستحيل توقع انهيارها.
أحد الأمثلة الأخرى يتضمن إدارة رأس المال طويل الأجل (Long-Term Capital Managment) (LTCM)، وهو صندوق تحوط (hedge fund) حقق نجاحات كبيرة سابقًا، ولكنه انهار عام 1998م نتيجة لـتأثير الدوامة (ripple effect) الناتجة عن تأخر الحكومة الروسية في سداد ديونها، وهو أمر لم تستطع نماذج كمبيوتر الشركة توقعه.
أهم النقاط
- البجعة السوداء حدث نادر للغاية وله عواقب وخيمة. لا يمكن توقعه مسبقًا، على الرغم من أن الكثيرين يدعون أنه يجب أن يكون متوقعًا بعد وقوعه بالفعل.
- أحداث البجعة السوداء يمكن أن تسبب أضرارًا كارثية للاقتصاد، ولأنه لا يمكن التنبؤ بها، فلا يمكن الاستعداد لها إلا من خلال بناء أنظمة قوية.
- الاعتماد على أدوات التنبؤ القياسية يمكن أن يفشل في التنبؤ بأحداث البجعة السوداء وربما يزيد من قابلية التأثر بالبجعات السوداء من خلال نشر المخاطر وتقديم أمان زائف.
المصدر: www.investopedia.com