التفاوض الابتكاري

التفاوض الابتكاري (Innovative Negotiation) هو وسيلة من وسائل التفاوض تنطوي على الفرص الخفية التي تقدمها هذه التحديات التي تكون جزء من الجهد الإبداعي حتى يبتكر المفاوض حلول ممكنة تلبي احتياجات كل صاحب مصلحة. فالتفاوض الابتكاري هو التفاوض الذي يهدف إلى إنشاء علاقات استراتيجية جديدة لخلق مكاسب جديدة وكبيرة.

 

جدير بالذكر أن القدرات الابتكارية موجودة عند كافة البشر، ولكن تتفاوت بينهم بالدرجات، فالأشخاص الذين يصلون للحرية الإبداعية نادرون، وهؤلاء الأشخاص يحتاجون للتدريب المستمر في المناخ الوظيفي أو التعليمي المناسب والمحفز؛ حتى يستمرون بتوليد الأفكار الإبداعية، فهذا شكل من الاستثمار الفكري الذي يساهم في رقي الإنسان مع الحياة العصرية المتسمة بالتطور والتغيير.

وإن من أنواع التفاوض الابتكاري تفاوض الكسب للجميع، وهو إذا ما انتهجت الأطراف المتفاوضة مبدأ المصلحة المشتركة حيث يكون التركيز على ما يحقق مصالح الطرفين أو الأطراف، وفي هذا النوع من التفاوض تساعد الأطراف بعضها البعض على العمل معًا وبشكل تفاعلي وابتكاري للوصول إلى حلول واتفاقات محددة يستفيد منها الجميع، ويتضمن هذا إدراك الأطراف ابأنه لابد من الوصول إلى حلول وسط في قضايا التفاوض المتعثرة.

 

سمات المفاوض الابتكاري

المفاوض الابتكاري يتسم بالتفكير الإبداعي، وهو تفكير واسع التصور بانطلاق فكري بلا حدود، وينتج أفكار تتميز بطلاقة فكرية، ومرونة، وأصالة، والقدرة على التداعي البعيد، وبحسب تعريف جون ستيوارت ميل للتفكير الابتكاري بأنه: “لا يمكن تحقق تحسين كبير في رفاهية البشر إلا إذا تغيرت الطرق الأساسية لتفكير الناس تغيرًا كبيرًا.” يدل هذا على ضرورة التفكير الإبداعي في مختلف المجالات ومن ضمنها التفاوض.

مكونات التفكير الإبداعي تنعكس على المفاوض الابتكاري، فلابد من أن يكون لديه حس ابداعي، ومكونات التفكير الإبداعي كما ذكرنا سابقًا، والطلاقة الفكرية وهي استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار المناسبة لموقف معين خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا؛ فيكون المفاوض مستعدًا لأي موقف مفاجئ في المفاوضات بردة فعل سريعة ببدائل وحلول مناسبة لا يشعر الطرف الآخر بأنه مفاجأة. وتشير المرونة إلى قدرة المفكر المبدع على إنتاج استجابات تتسم بالتنوع، واللانمطية، والغزارة الفكرية لهذا النوع من الاستجابات غير التقليدية لم يأتي بها أحد من قبل أو نادرة الحدوث، فيتعمد المفاوض عدم تكرار الأساليب التفاوضية، ومراعاة اختلاف المواقف والقضايا، وإيجاد حلول تناسب كل حالة فردية ترضي الأطراف التفاوضيين؛ فيمكنه بذلك اقناع الأطراف بسهولة. وتتمثل الأصالة في القدرة على حدوث استجابة أصلية غير متكررة بين الجماعة التي ينتمي لها الفرد، فكلما قلت درجة شيوع الفكرة زادت أصالتها، والمفاوض لابد أن يكون فيه شيء يميزه عن غيره في المنظمة حتى ترسله ليمثلها في المفاوضات، وهذا يعني نفوره من تكرار أفكار الآخرين والحلول التقليدية للقضايا التفاوضية. وتعرف القدرة على التداعي البعيد بأنها القدرة على إنتاج استجابات عميقة الأثر، وبعيدة كل البعد عما تألفه المجموعة التي ينتمي إليها المفكر؛ فيصبح قادرًا على تجاوز الفجوات المتسعة بين الأمور المرئية مثلًا للمشكلة وبين القدرة على حلها بطريقة مبتكرة، بمعنى اختلاف حساسية المبدع للمشكلة، وطرق حلها عنده أبسط من المفكر العادي؛ فهو يمتلك من المهارات ما يكفي لتجاوزها. والمفاوض الذي يمتلك هذه الصفة هو جيد في عقد الصفقات، والمساومات، والإقناع؛ نظراً لحله للمشاكل بسهولة، وبطرق متنوعة ومبتكرة بحيث تتحول هذه المشكلة إلى منفعة بطريقة رائعة فيها تحكم بالأمور بدون أي ضغوطات.

ومن العناصر المهمة أيضًا في عملية التفاوض الابتكاري هو العصف الذهني، فهو مهم بالنسبة للمفاوض المبتكر. وتظهر فيه مكونات التفكير الإبداعي من طلاقة فكرية، ومرونة، وأصالة، وقدرة على التداعي البعيد.

 

خطوات العصف الذهني

يتم تنفيذ عملية العصف الذهني من خلال:

  • اختيار قائد، وهو المتحدث الرسمي أثناء عملية التفاوض
  • اختيار المسجل، وهو الذي يدون كل ما هو مهم أثناء العصف الذهني
  • الجو، وهو الوضع الذي يحيط بالعملية التي يجب أن تكون مريحة؛ لتساعد الأطراف على التفكير الجيد، وصفاء الذهن
  • تحديد وقت متفق عليه، فلا يزيد مثلًا عن ساعة أو ساعتين
  • يمكن أيضًا إنتاج الأفكار بالدور، وهي عملية تبادل المعلومات وطرحها بصورة واضحة ومناقشتها بشكل تفصيلي ثم بعد ذلك تقسيمها إلى ثلاث: أفكار قابلة للتطبيق الآن، وأفكار تحتاج للبحث والمتابعة والمناقشة، وأفكار يمكن استخدامها فيما بعد.

 

ذكر بيليكوبف (2004) في مقاله عن التفاوض الابتكاري بأنه ستكون هناك صعوبات تكون جزء من عملية التفاوض الابتكاري، وتنقسم الى أربع صعوبات:

الصعوبة الأولى هي غريزتنا لأخذ مواقف محددة، فنعطي أفضل حلول بالنسبة لنا على أساس حاجات معينة قد تجعلنا لا نفكر بحلول ممكنة أخرى. الصعوبة الأولى تؤثر مباشرة بالصعوبة الثانية، وهي أننا نميل إلى التركيز فقط على حاجاتنا وأن الطرف الآخر هو المسؤول وحده عن الحرص على اشباع حاجاتهم بينما في منهج التفاوض الابتكاري عندما نظهر اهتمام صادق في حاجات الطرف الآخر؛ فنحن نزيد من فرصة اشباع حاجاتنا، والوصول إلى حل تفاوضي مناسب للطرفين. وتتلخص الصعوبة الثالثة بأننا في الغالب تسيطر علينا العاطفة، فلا شيء يقتل الابداع مثل المشاعر السلبية كالغضب، والتكبر، والإحراج، والغيرة، والطمع؛ فعلى المفاوض أن يصل لمرحلة يتحكم فيه بالعواطف والاستجابة لأي فعل بدون أخذ موقف دفاعي حتى يكون التفاوض الابتكاري ناجح. رابعاً نحن في الغالب نفشل في اكتشاف حلول غير الحلول البديهية لأي مشكلة، فسيزيد من شرعية وثقة الطرف الثاني بالتفاوض عند الاهتمام بحاجاته عن طريق اكتشاف حلول مبتكرة جديدة لوسيلة لتقليل المشاعر السلبية، وخلق الود بين أطراف التفاوض.

 

نشر فريق العمل المسؤول عن مدونة كلية هارفرد للقانون (2012) مقالاً يدلون فيه بنصائح تساعد المفاوض الابتكاري في عملية التفاوض لتوليد أفكار إبداعية باستمرار، ومن النصائح لتوجيه المفاوض للحالة الذهنية المناسبة:

أولًا: تجزيئ المشكلة الى أجزاء صغيرة يسهل التعامل معها، فبدلًا من ن تكون مشكلة واحدة كبيرة تصبح عدة مشكلات من مستويات مختلفة؛ ما يسمح للطرفين بالأخذ، والعطاء، والمساومة أيضًا بما يناسب احتياجاتهم.

ثانيًا: على الأطراف رسم الحدود بوضوح، وما هو المسموح لكل طرف فعله، وطرح الشروط قبل الموافقة.

أخيرًا: ينصحون بلعب الألعاب الذهنية مع الطرف الآخر أو عمل خرائط ادراكية تساعد على كسر جمود التفكير، وتشجع على نظرة إبداعية أكبر للمشكلة، على سبيل المثال، يمكن للمفاوض إما ربط الأفكار المتشابهة ببعضها البعض أو قلب المشكلة على رأسها بأخذ بديل معاكس لكل حل مقترح. هذه الطرق تساعد على التفكير خارج الصندوق وتحفيز التعاون بين الطرفين للوصول لحل يرضي الجميع.

 

فمع التدريب والتطوير في التفاوض الابتكاري ستزيد قدرتنا على تحويل المخاطر إلى فرص، ومع الإطلاع الدائم من المصادر الصحيحة للمعلومات ستزيد من المصداقية، وأيضًا ابتكار حلول وبدائل موثوقة. كما تساعدنا على الصعيد الشخصي من ناحية التحكم بالمشاعر السلبية، والاهتمام بحاجات الآخرين بناءً على مبدأ ربح/ربح.

وليست القدرة الإبداعية وحدها كافية لحل المشكلات، فكما ذكرنا لدى جميع البشر قدرة إبداعية، ولكن توافر البيانات المهمة لحل مشكلة بطريقة إبداعية مع اتاحة المجال للعصف الذهني، ووضع الرؤية المستقبلية للمشكلة قبل حدوثها نتيجة للحدس والاحساس المسبق نصب عيني المفاوض، كلها عوامل تساهم في نجاح التفاوض الابتكاري.

 

 

كتابة: رناد الزميع، اريج العتيبي، كوثر صبياني، حنان القحطاني، رقية البحراني، سكينه آل غزوي، فاطمة آل مبيريك، مريم البحار، منار النجراني.

مراجعة: أ‌.نورة السعيد، عضو هيئة التدريس كلية الدراسات التطبيقية في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.

المصادر:

  • الاستاذة نورة السعيد، عضو هيئة التدريس كلية الدراسات التطبيقية في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.
  • Billikopf, Gregorio (2004) Creative Negotiation, University of California, USA, article link https://nature.berkeley.edu/ucce50/ag-labor/7article/article02.htm
  • قطاع التدريب للجهاز المركزي للتنظيم والادارة، التفكير الابتكاري والابداعي، مركز اعداد القادة للقطاع الحكومي، رئاسة مجلس الوزراء لجمهورية مصر العربية
  • PON Staff (2012) Integrative Negotiations, Value Creation, and Creativity at the Bargaining Table, Harvard Law School Blog link at https://www.pon.harvard.edu/daily/business-negotiations/shattering-the-mold-value-creation-and-creativity-in-negotiation/in-negotiation.com/

 

 

شارك المقال مع أًصدقائك
فيسبوك
تويتر
لينكدإن
تليجرام
واتساب
ايميل
مقالات آخرى قد تعجبك

تابعنا على موقع لينكدإن